تفاصيل الخبر
التعليم الزيتوني الأصلي هو نظام التعليم الإسلامي الذي كان قائمًا بجامع الزيتونة في تونس وفروعه الخمسة والعشرين قبل اتخاذ الحكومة التونسية قرارًا بإلغائه سنة 1954. وهو نظام دام ما يقارب الثلاثة عشر قرنًا لعب خلالها دورًا رياديّا في نشر الثقافة العربية الإسلامية في بلاد المغرب وفي العالم الإسلامي كله.
يعتبر جامع الزيتونة أول جامعة في العالم الإسلامي، وفي رحابه تأسست أول مدرسة فقهية بإفريقية كان من أبرز رموزها علي بن زياد بتونس، وأسد بن الفرات والإمام سحنون بالقيروان، وهو صاحب المدوّنة التي تعتبر عمدة المذهب المالكي في دور المختصرات إذ اختصرها ابن أبي زيد القيرواني في المختصر وأبو سعيد البرادعي في التهذيب وما نالت منزلتها هذه إلا بما انبنت عليه من البحث العلمي المثمر القائم على التحقيق والتمحيص «والتثبت الذي رسخت به أصول المذهب»[1] وثبتته. وكذلك اشتهرت الجامعة الزيتونية في العهد الحفصي بالفقيه المفسّر والمحدّث محمد بن عرفه التونسي صاحب المصنّفات العديدة وابن خلدون المؤرخ ومبتكر علم الاجتماع. لقد تخرّج من الزيتونة طوال مسيرتها آلاف العلماء والمصلحين الذين عملوا على إصلاح أمّة الإسلام والنهوض بها. إذ لم تكتف الزيتونة بأن تكون منارة تشع بعلمها وفكرها في العالم وتساهم في مسيرة الإبداع والتقدّم وتقوم على العلم الصحيح والمعرفة الحقّة والقيم الإسلامية السمحة، وإنما كانت إضافة لذلك قاعدة للتحرّر والتحرير من خلال إعداد الزعامات الوطنية والقومية والإسلامية وترسيخ الوعي بالهُويّة العربية الإسلامية، ففيها تخرج إلى جانب من ذكر أبو الحسن الشاذليوسالم بوحاجب ومحمد الخضر حسين شيخ جامع الأزهر ومحمد العزيز جعيط والمصلح الزعيم عبد العزيز الثعالبي والطاهر بن عاشور صاحب تفسير التحرير والتنوير والفاضل بن عاشور وشاعر تونس أبو القاسم الشابي صاحب ديوان أغاني الحياة ومن حلقاته العلمية برز المصلح الجزائري ابن باديس والرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين وغيرهم كثير من النخب التونسية والمغاربية والعربية. ولقد تجاوز إشعاع جامع الزيتونة حدود تونس ليصل إلى سائر الأقطار الإسلامية فكان بحق - إلى جانب الأزهر والأموي والقرويين - أكبر حصن للغة العربية والشريعة الإسلامية في القرون الأخيرة.
وتذكر المراجع التاريخية أن بورقيبة كانت له خلافات قديمة مع علماء جامع الزيتونة واتهم بعضهم بمناصرة خصمه السياسي صالح بن يوسف عند إعلانه عن رفضه لاتفاقيات الحكم الذاتي سنة 1955. وكان بن يوسف قد خطب سنة 1955 في جامع الزيتونة واتهم بورقيبة بخيانة القضية الوطنية والقومية ودعا التونسيين إلى مواصلة مقاومة الإستعمار كما نادى بتوحيد النضال في المغرب العربي حتى الحصول على الاستقلال التام. وبعد سنوات قليلة من الاستقلال وضع بورقيبة حدّا لجامع الزيتونة بمساعدة محمود المسعدي وزير التربية والتعليم آنذاك الذي كان يدعم نمط التعليم الغربي، وبذلك يكون بورقيبة قد قضى على نظام تعليمي متكامل دام لمدة قاربت 13 قرنًا.
-
مشاركه